أجرى رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في بغداد، يوم أمس الاثنين، مباحثات مع رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السُّوداني، وذلك في إطار زيارة العمل التي يجريها إلى جمهوريَّة العراق ويلتقي خلالها رئيس الجمهوريَّة عبداللَّطيف رشيد، ورئيس مجلس النوَّاب العراقي محمَّد الحلبوسي.
وتناولت المباحثات، التي حضرها وزراء وممثِّلون عن القطاع الخاص التِّجاري والصِّناعي في البلدين الشَّقيقين، آليَّات تعزيز علاقات التَّعاون الاستراتيجي في مختلف المجالات.
ونقل رئيس الوزراء خلال المباحثات تحيَّات جلالة الملك عبدالله الثَّاني وسموّ الأمير الحسين بن عبدالله الثَّاني، وليّ العهد، إلى رئيس مجلس الوزراء العراقي والقيادة العراقيَّة، مؤكِّداً أنَّ للعراق الشَّقيق مكانة خاصَّة لدى جلالة الملك وسموّ وليِّ العهد، والشَّعب الأردني، حيث تجمعنا علاقات وأواصر ووشائج عمرها من عمر الدَّولة الأردنيَّة، وهي متميِّزة ومبنيَّة على التكامليَّة إزاء التحدِّيات والطُّموحات والفرص.
وأكَّد الخصاونة، في تصريحات مشتركة مع نظيره العراقي عقب المباحثات، أنَّ "العلاقات الأردنيَّة العراقيَّة متجذِّرة واستراتيجيَّة تجمعنا على مستوى القيادة والحكومات والشَّعبين الشَّقيقين"، لافتاً إلى أن الاجتماع الموسَّع الذي تخلَّلته المباحثات مثَّل فرصة للتَّداول في المواقف السِّياسيَّة المشتركة التي تصل في الكثير من جوانبها إلى حدِّ التَّطابق.
وبيَّن رئيس الوزراء أنَّ المباحثات تخلَّلها التَّأكيد على استمرار التَّنسيق الأمني الذي يستهدف محاربة الإرهاب والتَّطرُّف وعدم السَّماح بأيِّ ثغرات قد يتسلَّل من خلالها شبح الإرهاب المقيت بما يهدِّد مجتمعاتنا، بالإضافة إلى ضرورة اتِّخاذ خطوات عمليَّة مباشرة وفاعلة للتَّعامل مع تحدِّي المخدِّرات الذي يتهدَّد شعوبنا، مؤكِّداً أنَّ هذا الخطر العابر للحدود يقتضي ترسيخ التَّعاون الثُّنائي ما بين الأردن والعراق، بالإضافة إلى التَّعاون العربي الإقليمي في محاربة هذه الآفة التي باتت هاجساً تعاني منه المجتمعات، وتتطلَّب تفعيل الآليَّات الكفيلة والانتقال بالإجراءات إلى حيِّز التَّنفيذ.
وأعاد رئيس الوزراء التَّأكيد على الموقف الأردني الدَّاعي إلى ضرورة إيجاد أفق سياسي لحلِّ القضيَّة الفلسطينيَّة يرتكز إلى حلِّ الدَّولتين؛ لتقوم بمقتضاه الدَّولة الفلسطينيَّة المستقلَّة وذات السِّيادة الكاملة والقابلة للحياة، على خطوط الرَّابع من حزيران لعام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقيَّة، مشدِّداً في هذا الصَّدد على أنَّ الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثَّاني سيستمرُّ بالنهوض بمسؤوليَّة وواجب وشرف حماية المقدَّسات الإسلاميَّة والمسيحيَّة في القدس الشَّريف، ومنع كلّ محاولة لتغيير الوضع التَّاريخي والقانوني القائم انطلاقاً من الوصاية الهاشميَّة التاريخيَّة التي يباشرها جلالته باقتدار.
وحول أوجه التَّعاون الاقتصادي، شدَّد رئيس الوزراء ونظيره العراقي على ضرورة الانتقال من حيِّز التَّخطيط إلى حيِّز التَّنفيذ الذي يشعر بأثره المواطنون في كلا البلدين الشَّقيقين، وكذلك الأشقَّاء العرب في إطار آليَّات التَّعاون العربي - العربي، سواءً مبادرة التَّكامل الصِّناعي أو آليَّة التَّعاون الثُّلاثي، سيما في المشاريع الكُبرى مثل مشروع أنبوب النَّفط بين البصرة والعقبة.
وأشار الخصاونة إلى أنَّ المباحثات تناولت الحديث عن الآليَّات الكفيلة بالتَّكامل في الكثير من المجالات، بما في ذلك المجالات الاستثماريَّة، وكذلك حاجة العراق الشَّقيق إلى الطَّاقة المتجدِّدة التي يمتلك الأردن فيها تجربة واعدة، بالإضافة إلى الصِّناعات الغذائيَّة والدَّوائيَّة والأمن الغذائي الذي يشكِّل هاجساً سيما في ظلِّ اضطراب سلاسل التَّوريد التي شهدها العالم وأظهرت بوضوح ضرورة إيجاد آليَّات للتَّكامل والأمن الغذائي في العالم العربي.
وأكد رئيس الوزراء أهميَّة الآليَّة الثُّلاثيَّة التي تجمع الأردن والعراق ومصر والكثير من المشاريع الأساسيَّة والمركزيَّة ضمنها، والتي تتقاطع أيضاً مع التَّعاون الثنائي الوطيد والمتجذِّر، ومن ضمنها المدينة الاقتصاديَّة على الحدود بين البلدين التي قطعنا أشواطاً باتجاهها، ومشروع الرَّبط الكهربائي الذي ستكتمل المرحلة الأولى منه خلال الشَّهر المقبل، ونأمل أن تسير المرحلة الثَّانية منه بوتيرة سريعة لتكتمل خلال عام أو عام ونصف.
كما أكَّد الخصاونة على ضرورة الانتقال إلى حيِّز البحث الفعلي والتَّنفيذ للمشاريع الاستراتيجيَّة الكُبرى ومن ضمنها أنبوب البصرة - حديثة، الذي سيتفرَّع عنه خط باتِّجاه العقبة، والقيم المضافة التي سيمثِّلها هذا المشروع في إطار إقامة مناطق لصناعات بتروكيماوية تعتمد عليه وعلى علاقاتنا التَّكامليَّة في مجالات الأسمدة والاستكشافات الواعدة على الحدود بين البلدين قد تسمح بفتح صناعات مثل الأمونيا الزَّرقاء وغيرها من الصِّناعات ذات الاهتمام المشترك.
ولفت الخصاونة إلى أنَّ المباحثات تخلَّلها الوصول إلى توافقات بزيادة كميَّات النِّفط التي يشتريها الأردن من العراق من 10 آلاف برميل يوميَّاً إلى 15 ألف برميل يوميَّاً، والتي تسهم في سدِّ جزء من احتياجات الأردن البالغة 134 ألف برميل يوميَّاً.
ولفت رئيس الوزراء إلى التَّوافق أيضاً على تأسيس مجلس الأعمال المشترك الأردني - العراقي وضرورة تفعيله والذي يمثِّل خطوة مهمَّة ويوفِّر أرضيَّة لتدعيم العلاقات الاستراتيجيَّة التي يلمسها البلدان، بالإضافة إلى التَّعاون الصحِّي وتبادل الخبرات في مجال الرعاية الصحية والطبيَّة وضرورة النُّهوض بقطاع النقل.
وأشار إلى أن الجانب العراقي أبدى الاستعداد للنظر في طلب الاستفادة من الخبرة العراقية في التنقيب عن المعادن والنفط والاستفادة من قسم من المعدَّات العراقيَّة في هذا الجانب.
كما أشار إلى الوصول لتفاهمات من شأنها تقليص الفجوة البيروقراطيَّة وتعتمد المواصفات والمقاييس، ما يساعد على انسيابيَّة حركة البضائع والأشخاص.
وجدد الخصاونة، خلال تصريحاته، رفض الأردن وتنديده بممارسات حرق المصحف الشَّريف التي تثير حفيظة المسلمين، والتي من شأنها أن تغذِّي مشاعر الكراهية ولا تمتُّ بصلة لحريَّة التَّعبير عن الرَّأي.
من جهته، أكد رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على عمق العلاقة التاريخية بين البلدين والشعبين الشقيقين وعلى الرغبة المخلصة والجادة في تعزيز اطر التعاون في ملفات عديدة، لافتا الى ان هذا التوجه يحظى بقبول سياسي وشعبي في كلا البلدين.
واعرب رئيس مجلس الوزراء العراقي عن الشكر والتقدير لجلالة الملك عبدالله الثاني على دعمه الثابت للعراق وعلى مشاعره الأخوية الصادقة تجاه الشعب العراقي الذي يكن لجلالته كل الاحترام والتقدير.
واكد ان اللقاءات التي تمت في إطار زيارة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة الى بغداد اليوم واللقاءات الثنائية بين الوزراء وممثلي القطاع الخاص من الجانبين كانت مثمرة وبناءة تناولت ملفات مهمة تتعلق الأمن الاقتصادي والصحي والغذائي والأمن العام مشددا على ان ما يمس العراق يمس الأردن.
كما اكد السوداني ان الحكومة العراقية تؤكد على منهج السياسة المتوازنة الذي انتهجته طيلة الفترة الماضية عبر علاقة تشاركية مع دول المنطقة ومع الأشقاء وخصوصا الأشقاء في الأردن، لافتا الى ان العراق يؤكد على رفع مستوى التنسيق بين الدول العربية حيال مختلف القضايا وان تكون مواجهة المشاكل بشكل متآزر.
وأشار الى ان التعاون الأمني كان حاضرا في اجتماعات اليوم، وتم التأكيد على مزيد من التنسيق والتواصل بالشكل الذي يجهض أي إخلال بالأمن من بقايا العصابات الإرهابية اضافة الى مواجهة تحدي المخدرات الذي يشكل خطرا حقيقيا على الشعبين، لافتا الى وجود مذكرات تفاهم على مستوى وزاراتي الدفاع والداخلية ونأمل ان تستمر بفاعلية أكثر.
وأكد على الرغبة الصادقة في توسعة التعاون مع الأردن الذي ساهم مساهمة مكملة مع الاقتصاد العراقي بحيث تكون المنفعة المشتركة للشعبين حقيقة واقعة، مشيرا الى دعم الحكومتين للتعاون بين القطاع الخاص في البلدين الذي يربطهما تاريخ طويل من العمل المشترك ودعمها لمجلس الأعمال الاردني العراقي المشترك للاستثمار في قطاعات الطاقة والإسكان والزراعة وغيرها.
ولفت رئيس مجلس الوزراء العراقي الى انه تم التأكيد على مشاريع محورية مهمة خاصة المدينة الاقتصادية المشتركة ونحث على استكمال انشائها، مبينا انه أضيفت لها اليوم المدينة الصناعية التي ستستثمر في الموارد الطبيعية المتوفرة في البلدين مثل البتروكيماويات والأسمدة.
وأشار إلى انه تم التأكيد على إنجاز تأشيرات الدخول للبلدين بيسر وسهولة ما يسهل على رجال الأعمال العمل بحرية ويسر مع التأكيد على زيادة الرحلات الجوية بين البلدين.
ولفت السوداني انه تم التأكيد على أهمية التعاون الثلاثي الاردني العراقي المصري، وأهمية تفعيل مخرجات القمم الثلاثية بين قادة هذه الدول وآخرها التي عقدت في بغداد، مشيرا الى وجود مشاريع ومقترحات واعدة قيد الدراسة والتواصل بين الوزراء المعنيين في الدول الثلاث لإنضاجها تمهيدا للقاء المقبل بين قادة الدول الثلاثة.
وفي المجال التجاري، اكد انه تم الاتفاق على مزيد من التسهيلات فيما يتعلق باتفاقية التجارة الحرة واعتماد شهادة المطابقة الأردنية ووجهنا الوزارات المعنية لتسهيل وتيسير التجارة بين البلدين.
واكد رئيس مجلس الوزراء العراقي على موقف البلدين الثابت تجاه القضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية على الأرض التاريخية للشعب الفسطيني ورفض ممارسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
وشدد على رفض البلدين للإساءة والتجاوز الفاضح بحرق المصحف الشريف الذي يتكرر في اكثر من دولة مؤكدا ان هذا إساءة لأكثر من مليار مسلم وقال نحن نؤكد رفضنا لهذا التجاوز الذي لا علاقة له بحرية التعبير والرأي.
كما اكد السوداني ان هذا التجاوز يشجع على التطرف والكراهية والعنف الذي عانى منه العراق، داعيا الى موقف مشترك وحازم من كل الدول العربية والإسلامية تجاه هذه الإساءات لمشاعر المسلمين.
وحضر المباحثات عن الجانب الاردني وزراء الأشغال العامَّة والإسكان ووزير النَّقل المهندس ماهر ابو السمن، ووزير الطَّاقة والثَّروة المعدنيَّة الدكتور صالح الخرابشة، ووزير الداخليَّة مازن الفرايه، ووزير الصحَّة الدكتور فراس الهواري، ووزير الصِّناعة والتِّجارة والتَّموين ووزير العمل يوسف الشمالي، ووزيرة الاستثمار خلود السقاف والسفير الأردني لدى جمهورية العراق منتصر العقلة،ورئيس غرفة صناعة الاردن فتحي الجغبير ورئيس غرفة تجارة الاردن خليل الحاج توفيق وحضرها عن الجانب العراقي عدد من الوزراء والمسؤولين.
وكان جرى لرئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة استقبال رسمي لدى وصوله الى القصر الحكومي في بغداد حيث كان في استقباله رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وعدد من الوزراء والمسؤولين وعزفت الموسيقى السلامين الملكي الاردني والوطني العراقي واستعرض رئيس الوزراء حرس الشرف الذي اصطف لتحيته.